من الخفاء إلى نوبل.. ماريا كورينا ماتشادو معارضة فنزويلية تحدّت الخوف من أجل الحرية

من الخفاء إلى نوبل.. ماريا كورينا ماتشادو معارضة فنزويلية تحدّت الخوف من أجل الحرية
ماريا كورينا ماتشادو

في بلدٍ أثقلته الأزمات وكمّم الخوف أصوات أبنائه، اختارت ماريا كورينا ماتشادو أن ترفع صوتها وحدها، لتصبح رمزاً للأمل في فنزويلا التي تبحث عن حريتها الضائعة، لم تكن تسعى إلى مجدٍ شخصي، بل إلى وطنٍ يعود لأبنائه، لذلك واصلت طريقها رغم الخطر، حتى صارت وجهاً للحرية في زمن الصمت.

وُلِدت ماريا كورينا ماتشادو في 7 أكتوبر 1967 في العاصمة الفنزويلية كاراكاس، لعائلة من الطبقة الوسطى العليا، درست الهندسة الصناعية في جامعة فنزويلا الكاثوليكية، ثم حصلت على درجة الماجستير في الإدارة العامة من جامعة يال الأمريكية.

ورغم أن مسيرتها المهنية الأولى كانت في القطاع الصناعي والاجتماعي، فإنها سرعان ما وجّهت اهتمامها إلى القضايا العامة، مدفوعةً بتدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية في بلدها.

من النشاط المدني إلى الواجهة السياسية

دخلت ماتشادو الحياة العامة في مطلع الألفية، حين شاركت في تأسيس منظمة "سوميت غيبنتي" عام 2002، وهي حركة مدنية هدفت إلى تعزيز الشفافية الانتخابية والمشاركة السياسية.

تعرّضت المنظمة حينها لهجوم عنيف من حكومة الرئيس الراحل هوغو تشافيز، واتُهمت ماتشادو بـ"التآمر ضد الدولة" بسبب تلقي منظمتها تمويلاً دولياً، لكن ذلك لم يمنعها من مواصلة نشاطها السياسي.

في عام 2010، فازت بمقعد في البرلمان، لتصبح واحدة من أبرز وجوه المعارضة داخل المؤسسة التشريعية.

رمز المعارضة الصلبة

خلال العقد الأخير، برزت ماتشادو كأحد أهم رموز المعارضة ضد نظام الرئيس نيكولاس مادورو، الذي خلف تشافيز في الحكم عام 2013.

وفي وقت كانت فيه المعارضة تعاني الانقسام والتشرذم، تمكنت ماتشادو من لعب دور محوري في توحيد صفوفها، والدعوة إلى انتقال ديمقراطي سلمي.

في عام 2023، تصدّرت الانتخابات التمهيدية للمعارضة بفارق ساحق، إذ حصدت أكثر من 90% من الأصوات (نحو ثلاثة ملايين صوت)، لتصبح رمز الأمل لدى ملايين الفنزويليين الذين يرون فيها "الوجه المدني للحرية".

العيش في الخفاء

رغم الشعبية الكبيرة التي حظيت بها، واجهت ماتشادو حملة قمع شديدة من السلطات، شملت منعها من الترشح، وملاحقة فريقها السياسي، وتقييد حركتها داخل البلاد.

وخلال أكثر من 14 شهراً، اضطرت إلى العيش في الخفاء والتنقل المستمر هرباً من التهديدات الأمنية، لكنها رفضت مغادرة فنزويلا، مؤكدة أن "الحرية تُنتزع من الداخل، لا من المنفى".

هذا الإصرار جعلها رمزاً للمقاومة السلمية في أمريكا اللاتينية، وألهم ملايين النساء والناشطين في المنطقة.

بالنسبة للكثير من الفنزويليين، أصبحت ماريا كورينا ماتشادو رمزاً للأمل المدني في بلد أنهكته الأزمات الاقتصادية والسياسية، هي ليست فقط زعيمة سياسية، بل نموذجاً لامرأة كسرت حاجز الخوف، وواجهت السلطة بسلاح الكلمة والتنظيم الشعبي.

وفي وقت يبدو فيه مستقبل فنزويلا غامضاً، تبقى قصتها تذكيراً بأن النضال السلمي ما زال قادراً على تغيير وجه التاريخ.

الجوائز والتكريمات

في عام 2024، حصلت ماتشادو على جائزة سخاروف لحرية الفكر من البرلمان الأوروبي، تقديراً لـ"دفاعها الثابت عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في فنزويلا".

وفي أكتوبر 2025، تُوِّجت مسيرتها بجائزة نوبل للسلام، تكريماً "لدورها البارز في الدفاع عن الحريات السياسية، ولدعمها المستمر للحركات المدنية الساعية إلى استعادة الديمقراطية في البلاد"، وفق ما أوضحته لجنة نوبل النرويجية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية